أبو ظبي
اختتم مؤتمر مفهوم التسامح في سياق النظم التشريعية والقضائية الذي نظمته وزارة وزارة التسامح بالتعاون مع المركز الدولي للقانون والدراسات الدينية بجامعة بريغهام يونغ بالولايات المتحدة الأمريكية، وكلية القانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة المؤتمر الدولي أعماله أمس في أبوظبي برعاية معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، بجلسة ختامية صدر عنها عدد كبير من التوصيات التي تشكل في مجملها مبادرة قانونية لتعزيز الكرامة الإنسانية والتسامح في كافة بقاع العالم، تمهيدا لرفعها لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك لتوقيعها بحيث تكون متاحة أما كافة المشرعين حول العالم للاستفادة في تعزيز التعايش ونبذ الخلافات واحترام الآخر.
وشملت أنشطة اليوم الثاني للمؤتمر جلستين رئيستين، تناولت الأولى دراسة الإمكانات المتاحة لتعزيز التسامح عن طريق القوانين والنظم، وحفلت الثانية بتقديم العديد من المقترحات العملية والمبادرات المتعلقة بالبيان الختامي، كما شمل اليوم الختامي 3 ورش عمل للمشاركين دارت بها نقاشات موسعة كان الموضوع الرئيسي للورشة الاولي "اشراك الهيئات القانونية للوافدين" وتحدث فيها دكتور كول درهام والدكتور محمد الدقاق، فيما تناولت الثانية موضوع التعليم، وأدراها جان فيجل وديفيد كيرخام، ومحمد الموسي، فيما ناقشت الثالثة التسامح الديني كمجال للتعاون والابتكار وأدارها ماركو فنتورا وتور لينهولم.
وقالت سعادة عفراء الصابري المدير العام بمكتب وزير التسامح إن المؤتمر حقق أهدافه بالكامل لأنه استطاع أن يجمع كل هذا العدد من الخبراء الدوليين في مجالات القانون الدولي وحقوق الإنسان والقضاء واستطاع ان يوفر منصة للحوار المثمر بين الجميع، على قاعدة الإيمان باهمية تعزيز التسامح سواء لدى المجتمعات المحلية أو على المستوى العالمي، مؤكدة أن الجميع اشادوا بالتجربة الإماراتية في تعزيز التسامح التي تزداد عمقا كل يوم وتترجم دائما إلى مواقف وأفعال ولا تتوقف عند المهرجانات والمؤتمرات، مؤكدة أن رعاية معالي الشيخ نهيان لهذا الحدث الكبير كان له أبلغ الأثر في تحفيز الجميع لتحقيق أفضل نتائج ممكنة، وأن مشاركة معايه بكلمة رئيسية في المؤتمر تضمنت العديد من العناوين الكبري التي يجب البناء عليها وفي القلب منها الاهتمام بدراسة وثيقة الأخوة الإنسانية ومدى إمكانية تحويلها إلى نصوص قانونية يمكن السترشاد بها .
وأشادت الصابري بالدور الكبير الذي بذله الشركاء الاستراتيجيون لوزارة التسامح ممثلين في جامعة الإمارات وبالتحديد عميد وأساتذة كلية الحقوق الذي أثروا المؤتمر وشاركوا بفاعلية في تنظيمه، معبرة عن سعادتها بتكامل أدوار الجميع لإظهار الوجه الرائع للإمارت كعاصمة للتسامح العالمي وتجسيدا للاخوة الانسانية، مؤكدة أن النتائج التي خرج بها المؤتمر كتوصيات قانونية سوف تعرض على لجنة متخصصة لإعادة صياغتها تمهيدا لتوقيها من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح ليتم إعلانها غدا بحيث تكون متاحة لكافة القانونين محاليا وعربيا وعالميا.
ومن جانبه أكد الدكتور محمد القاسم عميد كلية الحقوق جامعة الإمارات أن تنظيم المؤتمر بالتعاون مع وزارة التسامح هو خطوة مهمة لدعم قضايا التيامح والتعايش وقبول الآخر، وأن المشاركة البارزة لأساتذة الحقوق بالجامعة إلى جانب اقرانهم على مستوى العالم أعطى زخما كبيرا للنقاشات وأثر التوصيات التي تم رفعها لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك راعي المؤتمر، معبرا عن سعادته بالتعاون المثمر مع وزارة التسامح، والنجاح الكبير الذي حققه المؤتمر.
من جانبه أكد الدكتور محمد خليل الموسى أستاذ القانون الدولي بكلية القانون بجامعة الإمارات على أهمية انعقاد مثل هذه المؤتمرات التي تستهدف إثراء الدور القانوني والنظم القضائية فيما يتعلق بقيم التسامح والتعايش، مشيرا أن " الكرامة الإنسانية" تتبوأ مكانة محورية في النظام القانوني الدولي لحقوق الإنسان، وهي إحدى أهم ركائزه؛ وتشكل أساسا لمفاهيم ومبادئ أخرى مرتبطة به ممثل الحرية، والمساواة والتسامح. مؤكدا ان الورقة التي شارك بها في المؤتمر استهدفت تحليل دلالة ذلك المفهوم والكشف عن أدواره ووظائفه، وارتباطه بمفهوم التسامح. كما كشفت عن أبعاده المختلفة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة وأن كافة النصوص المتعلقة بحقوق الإنسان العالمية والإقليمية قد اعترفت بالكرامة الإنسانية. وقد تراوحت تلك التفسيرات المتباينة بين كونها تتعلق حصرا بالمساواة والحقوق المدنية والسياسية، أو بين ارتباطها بالدور الاجتماعي للدولة والتصاقها بالضرورة بالحقوق الاقتصادية ، والاجتماعية والثقافية. وقد بينت هذه الورقة من خلال منهجية تقوم على رؤية نقدية لكافة الاجتهادات لمواقف الدول والهيئات الرقابية المعنية بحقوق الإنسان، أن سردية " الكرامة الإنسانية" في القانون الدولي لحقوق الإنسان منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تلاه من صكوك دولية أخرى؛ هي بمثابة قصة تتعلق بالطبيعة المزدوجة لمفهوم " الكرامة". فهي من جهة، تشير إلى توافق حول الكرامة الإنسانية كأساس منشئ لحقوق الإنسان ولجميع المبادئ المتعلقة بها كالتسامح . وهي من جهة أخرى، تطوي بداخلها درجة شديدة التعقيد والتنوع حول فهم المراد منها وما يؤمل بلوغه من ورائها.
لا شك أن هذه الورقة تتناول جوانب وأبعادا قانونية وفكرية تقع في صميم اهتمام الجهات العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يرتبط بمفاهيم التسامح، والمساواة ونبذ الكراهية. وهي تسعى لتحديد إطار مفاهيمي وعملي يمكن من خلاله بلورة وتشكيل رؤية حول الأصول القانونية والفلسفية لتلك المفاهيم؛ وأنها تعد لازمة أساسية من لوازم الكرامة الإنسانية. فضلا على أنها، تسعى إلى تيسير فهم أدق وأوضح لمفهوم الكرامة الإنسانية؛ الذي يعد بمثابة شرط أساسي لتحقيق التسامح كقيمة إنسانية. وبدون هذا الفهم، ربما لا تكون المنظومة القانونية ذات الصلة بتلك المفاهيم واضحة المعالم.
فيما أعرب الدكتور عامر الحافيس استاذ الدراسات الدينية بجامعة آل البيت بالمملكة الأردنية عن ساعده بالمشاركة في هذا المؤتمر الذي تحتضنه الإمارات أرض التسامح مشيدا بدور وزارة التسامح وجامعة الإمارات في تنظيمه وبالتنوع الكبير بين ضيوفه، مؤكدا أن الأصل في علاقة الناس فيما بينهم هو التسامح والمودة والوئام؛ أمَّا الكراهية والبغضاء فهي كما الشر، ليست سوى خللٍ عارض على ذلك الأصل الذي خلق الله الناس عليه، فمن حق الإنسان أن يختلف مع غيره ، لكن ليس من حقه أن يجعل الاختلاف ذريعة للكراهية والبغضاء. فإشاعة الكراهية بين الناس تمزِّق وَحدة مجتمعاتهم وتَنوُّعها، وتقتل فيهم الإحساس بهُويَّتهم الإنسانية الجامعة، مؤكدا أن أعظم الوصايا الدينية اشتملت على ضرورة انتصار المودة على الكراهية، كما في موعظة المسيح عليه السلام لأتباعه على الجبل: “أحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ ” (لوقا 6 :27). وفي ذات المعنى جاء في القرآن {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فُصِّلَت: 34].معبرا عن امله في أن تكون وثيقة الأخوة الإنسانية التي احتضنتها أبو ظبي مؤخرا ، توصيات مثل هذا المؤتمر طريقها للتطبيق على ارض الواقع، ليس محليا فقط وإنما على المستوى الدولي
ومن جانبها قالت د. جنان البستكي الاستاذ المساعد في القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة الإمارات " يعتبر التسامح مبدأً يستلزم حماية حرية الدين في المجتمع، وكذلك حرية التعبير، من أجل تعزيز الوئام والاحترام بين المجتمعات المختلفة. وفي الوقت نفسه، هناك قيود مشروعة قد يتم فرضها على هذه الحقوق من أجل تحقيق هذا المبدأ. وأنها تناولت في مشاركتها بالمؤتمر بحث تقاطع القوانين المتعلقة بحرية المعتقد والدين وتعزيز التسامح في الولايات المتحدة وأستراليا والإمارات العربية المتحدة، ولكلٍّ منهما تقاليد ونهج بُنِيَ على نحو مختلف فيما يتعلق بهذه القوانين. كما أوضحت أن هذه التقاليد والأنظمة المختلفة في هذه الدول يجب تحقيق فهمها والإحاطة بها، والبناء عليها لتقديمها كتجربة متكاملة يمكن الاستفادة منها عالميا، معبرة عن سعادتها باحتضان الإمارات لمثل هذه النوعية من المؤتمرات التي تعزز قيم التسامح والتعايش