ناقش المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي ينظمه مجلس حكماء المسلمين في العاصمة الإماراتية أبوظبي برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ خلال جلسته الافتتاحية في يومه الثاني التحديات وفرص توثيق الأخوة الإنسانية بين شعوب العالم، وذلك بحضور ومشاركة قيادات دينية وشخصيات فكرية وإعلامية من مختلف دول العالم. وشهدت الجلسة إلقاء كلمات من قيادات دينية تحظى بمكانة متميزة حول العالم، شملت نيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونية، بالجمهورية اللبنانية، ونيافة المطران هيرومونك جريجوري، رئيس المجلس البطريركي للتواصل مع المسلمين، في روسيا الاتحادية، والسيدة إيرينا بوكوفا، الرئيس الفخري لمنظمة تحالف الأمل العالمي والمدير العام السابق لليونيسكو، وفضيلة الشيخ محمد المختار ولد امباله، رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم والمستشار برئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وسعادة الدكتور ماركو امبليتزو، رئيس جمعية سانت ايجيديو، الجمهورية الإيطالية. وقال الدكتور سلطان فيصل الرميثي، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين: “استطعنا أن نركز في فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر على محاور عديدة تصب في مجملها في محاولة إيجاد الحلول للعديد من مجتمعات العالم التي تقع تحت وطأة الأفكار المنغلقة.” وأضاف: “نأمل أن تخرج المؤسسات الفكرية والدينية بمبادرات من شأنها نشر ثقافة الأخوة الإنسانية والحوار بين الشعوب بهدف الحد من انتشار الأفكار الانعزالية والتعصب بكل أشكاله.” واستهل نيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونية كلمته الافتتاحية بالتوجه بالشكر لقيادة الإمارات لاستضافتها لهذا الحدث التاريخي الذي يجمع قادة الأديان في صعيد واحد، كذلك بتحديد مفهوم الأخوة المشتركة على أنها الرابط الحقيقي الذي يجمع الناس كونهم أعضاء في العائلة البشرية الواحدة مهما كان اختلافهم الفكري والعقائدي والاجتماعي. وأكد أن أهمية الأخوة تكمن في أن الناس جميعا يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق كما حددها الإعلان العالمي لحقوق الانسان فالأخوة هي النقيض الحقيقي للامساواة والسبيل المؤدي إلى السلام. وأكد نيافته أن الأخوة الإنسانية تواجه العديد من التحديات تتمثل في تحويل العقل إلى مادة صماء لا تتحرى الحق والحقيقة وكذلك تغليب النزعة الفردية على حساب المصلحة العامة، لذلك من واجبنا كرجال دين أن نساهم في زرع حب الآخر في قلوب الناس. ونوه بأن الاختلاف في الدين والثقافة والرأي لا يعني العداوة بل هي إضافة تساعدنا على تقييم الأمور على أساس حقيقي وصادق، أما التنوع فهو ضروري للتكامل بين البشر وركيزة أساسية للتطور والاستقرار. كما أكد أن فرص الأخوة الإنسانية كبيرة تتمثل في قيمة الدين كونه مصدر سلام مع الله والذات بوجه الإرهاب بكل أشكاله، وكذلك مساهمة الدين بشكل المباشر في التقريب بين البشر بقوة المحبة والحقيقة. من جانبه توجه نيافة المطران هيرومونك جريجوري، رئيس المجلس البطريركي للتواصل مع المسلمين في روسيا، برسالة يحملها من كيريل حليفا، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبطريرك موسكو وعموم روسيا بجزيل شكره لقيادة الامارات والقائمين على المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية لاحتضانهم هذا اللقاء للتسامح الديني مع الأخوة من باقي الأديان. وقال بأنه يتم التلاعب حاليا بالدين بالضمائر من خلال اعتماد خطاب ديني يلحق الضرر بأتباعهم.. وشدد بأن العالم يشهد بأن العديد من الأقليات العرقية تتعرض حاليا للإبادة ناهيك عن هدم لدور العبادة، ويتوجب علينا كممثلين للأديان في تقديم يد العون والمساعدة لمئات الآلاف الذين يعانون من الكوارث على هذه الأرض تطبيقا للتعاليم الدينية السمحة. وذكر أن روسيا الاتحادية لديها خبرة فريدة في تعميق التعاون بين المسلمين والمسيحيين من خلال تأسيس الكنيسة الأرثوذكسية لمجلس متخصص بالتواصل مع المسلمين في روسيا الاتحادية. من جانبها قالت السيدة إيرينا بوكوفا، الرئيس الفخري لمنظمة تحالف الأمل العالمي والمدير العام السابق لليونيسكو بأن عقد هذا المؤتمر في الإمارات ليس بالصدفة بل لأن قادة وشعب هذا البلد قد أعطت أمثلة ضخمة وكبيرة في فن التعامل والتواصل مع الآخرين على نحو إنساني. وقالت بأن ما يجعل هذا المؤتمر تاريخي وملهم هو تنظيمه المثالي والمتقن بالتزامن مع زيارة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ونوهت إيرينا إلى أن زيارتها إلى جامعة الأزهر كانت ملهمة جدا كونها وجدت الحكمة وروح الوسطية عند القائمين عليها كونه السلاح الأهم لمجابهة تحديات العصر الحالي. وأضافت بأن المئة العام الماضية شهدت تحول العالم إلى قرية واحدة ودخلت التكنولوجيا جميع أركانها مما توجب أن يجعل البشر أقرب من بعضهم البعض غير أنه في الحقيقة قد زادهم تشرذما بسبب غياب تطبيق مفاهيم الأخوة الإنسانية، لذلك يعتبر هذا المؤتمر من الأهم في هذا الصعيد، كونه يعرف المؤتمرين فيه على ما يتوجب فعله كرجال فكر ودين لدعم كرامة الإنسان ومساعدة المحرومون من حقوقهم الأساسية وإعادة اكتشاف مفهوم الصالح العام في وجه قولبة الثقافات والأديان. وناشدت الجميع في وجوب مجابهة أي حركة تدعوا إلى العزلة من خلال الاعتراف بالغير وخلق روابط أكثر متانة بين البشر لإثبات أن التنوع هو مصدر القوة لدى جميع الأديان. ودعت إلى حماية الأماكن المقدسة من قبل الأجيال المتعاقبة فليس من المعقول تدمير التراث باسم الدين. واختتمت السيدة بوكوفا كلمتها بالقول بأن أساس الإخاء الإنساني يكمن في التعليم بالمراحل المبكرة إذ لا يوجد انسان يولد عنصري أو متطرف بل هذا يتم اكتسابه بسبب نوعية التعليم والأفكار في البيئة الحاضنة للأطفال، لذا مسؤوليتنا التاريخية هي تعليم الأديان للنشء وعدم إساءة استخدامها وشحنها نحو العنف والعدوان السياسي فالمتطرفون هم الذين يحددون الخط الفاصل بين الحياة والموت غير أن خيارنا الوحيد يتمثل في الحياة. من جانبه توجه فضيل الشيخ محمد المختار ولد امباله، رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم والمستشار برئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالشكر إلى دولة الامارات لاستضافتها مثل هذا النوع من المؤتمرات الذي يجمع النخب الفكرية والثقافية لإعادة تعريف الأخوة الإنسانية من حيث المفاهيم والأصول والضوابط.. فالأخوة الإنسانية بالنسبة له هي الحلقة الأجمع التي يحكمها اليقين لأنها أمر واقع ذلك لأن بني البشر مشتركون في الأصل بالنسب والصورة الحسنة واحترام الانفس وكذلك في التكليف والجزاء عن الأعمال وهذا ما يجعل منهم أخوة. وأضاف بأن التنوع عند البشر ليس مصدر صدام بل التزام بقواعد العدل والإحسان. ودعا الجميع للتسامح في المختلف عليه، والتأسيس لدولة العدل والمواطنة على أساس الاخاء الإنساني المشترك. وأكد بأن المسؤولية تقع على عاتق الجميع وكل من موقعه، فعلى العلماء البيان والإرشاد وعلى التابعين الامتثال والتزام في العيش المشترك، ومسؤولية الاعلام الترويج لمبادئ الاخوة الإنسانية بمختلف الوسائل المتاحة. كما دعا إلى البدء بمشروع واضح المعالم نتعاون عليه ونعمل من أجله من أجل تحييد عالمنا الحروب والمشاكل.” وفي كلمة ألقاها أمام الحضور، قال سعادة الدكتور ماركو امبليتزو، رئيس جمعية سانت ايجيديو الإيطالية، بأن الجمعية تشاركت مع مجلس حكماء المسلمين في إطلاق مشاريع فكرية هدفها جمع قارات العالم وتبادل الآراء لترسيخ مفهوم الاخوة عبر ربط الشرق بالغرب. وأشار إلى أن مسار الحوار بين الإسلام والمسيحيين قد شهد تغيرات كبيرة جدا في آخر ستين عاما، وهذا يضع على كاهلنها مسؤولية نبذ كل ما يدعو إلى الانعزال أو الاختلاف وتبني الحوار من أجل العيش المشترك والابتعاد عن الكراهية. ونوه إلى أن مهمة الدين هو التعريف بالحب الذي ينير الحياة ويعزز أواصر الاخوة الإنسانية كون السلام خيار ملهم وأزلي. ودعا أيضا إلى وحدة العائلة الإنسانية بعيد عن عواطف الكره والتشاؤم كونهم رديفي الموت. ومن مكانه دعا ماركو الجميع بعدم ترك العالم لما هو شرير بل لبناء جسور السلام والايمان وتحقيق السلام على أنه فن، ونحن كقادة دينيين يتوجب علينا بناء جسور متينة للحوار وأن نسعى وراء السلام وتجنب النزاعات والحروب بكل أشكالها. ويأتي تنظيم فعاليات “المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية” بالتزامن مع فعاليات الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية والأولى من نوعها لمنطقة الخليج العربي وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر إلى دولة الإمارات، حيث دعت فعاليته إلى إرساء مبادئ الأخوة الإنسانية وتفعيل العقل والحكمة في التعامل مع الآخر، وتعزيز الحوار بين مختلف الثقافات والعقائد، بكونه منبر للدعوة إلى الأخوة الإنسانية لدى مختلف طبقات المجتمع تعزيزا للعقد الاجتماعي الذي يجمع الأفراد داخل المجتمعات.