انطلقت في أبوظبي اليوم أعمال ملتقى” بناء الثقة والتعاون بين الأديان” الذي ينظمه منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في إطار الزيارة الأولى لأول قافلة سلام متعددة الأديان تحت عنوان “القافلة الأمريكية للسلام : نشر رسالة السلام من خلال بناء الثقة والتعاون بين الأديان”. ويأتي الملتقى الذي يعقد في فندق أبراج الإتحاد ويستمر حتى 4 مايو الجاري.. تفعيلا لإعلان مراكش التاريخي وليؤكد مرة أخرى ريادة أبوظبي في صناعة النموذج، ومحوريتها في رحلة دروب السلام . والقى معالي الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم كلمة في الجلسة الأولى للملتقى بحضور سعادة الدكتور محمد مطر الكعبي الأمين العام لمنتدى تعزيز السلم والشيخ حمزة يوسف نائب رئيس منتدى تعزيز السلم وعدد من رجال الدين من مختلف الأديان السماوية وما يزيد على ثلاثين شخصية دينية من عشر ولايات أمريكية كبرى. تأتي زيارة القافلة الأمريكية للسلام للإمارات استلهاما للنهج الذي اختطته القيادة الرشيدة في ترسيخ ثقافة التسامح والمحبة والسلام، وتعزيز روح الأخوة والوئام. حيث تتيح هذه الزيارة الفرصة للمشاركين للاطلاع على تجربة الدولة في تنمية قيم التسامح والعيش المشترك ووضع الأطر القانونية والتشريعية الكفيلة بحمايتها، مثل قانون مكافحة التمييز والكراهية. كما تدخل هذه الزيارة في سياق أنشطة منتدى تعزيز السلم الذي أخذ على عاتقه منذ تأسيسه دعم كل ما من شأنه ترسيخ قيم الحوار والتلاقي والتعارف والتفاهم، وضمن مقاربته العلمية والفكرية لبناء الثقة بين الأديان الإبراهيمية من أجل السلام، وصناعة جبهة سلمية عالمية ضد الكراهية والإسلامفوبيا، وصياغة تحالف إنساني ضد تيار العنف والغلو. وتعقد القافلة التي تستمر لثلاثة أيام مجموعة ورشات وجلسات نقاش وتدارس حول أهم المحاور التالية : التصورات المتبادلة بين أتباع الديانات المختلفة وأثرها في السلم، تحديد أهم التحديات التي تواجه العيش المشترك وكذلك أهم الفرص التي تعززه وتقويه، محورية مفاهيم السلام في الخطاب الديني في المساجد والكنائس، الدين ودوره في الفضاء العمومي. كما تتخلل هذه الورشات زيارات لأهم المعالم السياحية في مدينة أبوظبي وخارجها. وقال معالي الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في كلمته الترحيبية أن “التلاقي على أرض التسامح والسلام والوئام في أبوظبي، يهيئ الفضاء المريح، الذي يسمح بطرح الأفكار النيرة والمبادرات النافعة للخروج من أزمة البشرية الراهنة. وأضاف أن هذا اللقاء يأتي عقب زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تلبيةً لدعوة لجنة الكونغرس، المنظمة لفعاليات صلاة الشكر الوطني، “حيث لمس خلالها، وكذلك خلال اللقاءات الهامة والنوعية التي أجراها مع قيادات الشأن العام الديني والفكري والسياسي، روحَ البحث عن التعايش السعيد بين الديانات، والحرصَ على مبادئ التسامح والتعارف.. ما أكد القناعة أن الوقت قد حان ومنذ زمن طويل؛ لضرورة القيام بعمل يتصف بالديمومة والإخلاص؛ بغرض تفعيل المشتركات الكثيرة، التي أدَّى تجاهلها، وإذكاء الخصوصيات بدلها إلى كثير من الحروب والدمار، وابتعاد البشرية عن قيم الخير والمحبة والتراحم، التي أرساها الأنبياء، سلام الله عليهم أجمعين”. وأعتبر أن هذه المبادرة تمثّل أملا في هذا الوقت بإتاحتها الفرصة للتعايش والتعارف، وعقد أواصر الأخوة ليعود المشاركون من الأئمة والقساوسة والحاخامات بهذه الروح إلى مجتمعاتهم الخاصة وليروجوا لها” مؤكِّدا أن ” لدينا مشتركات كثيرة لبناء السلام والمحبة علينا التذكير بها وتقديمها للناس”. ودعا كذلك إلى “ترسيخ نموذج مبادرة “قافلة السلام” ليصبح آلية عملية ناجعة للتعاون والتعايش وجعلها أكثر عملية ونجاعة، وتقليدا ينبغي العمل على تعميمه والاستفادة منه. وفي حديثه عن الإطار المرجعي لهذا الاستقبال، أشار رئيس المنتدى إلى ضرورة استحضار واستلهام إعلان مراكش الذي أصدره المنتدى ” في يناير 2016 بمدينة مراكش بالمملكة المغربية، في ختام مؤتمر “حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة”.. مؤكداً أن مبادئ إعلان مراكش، تستبطن الدعوة للتعايش بين الديانات والثقافات، وهو يؤسّس لمرحلة جديدة من الفهم العميق؛ بغرض الاستفادة من تراث الماضي في بناء تعايش الحاضر والمستقبل. ذلك أن إعلان مراكش لم يكن إعلانا عاديا، وإنما هو فهم دقيق للنص الديني وتجليات التراث في التسامح والوئام والتعايش ويبين الإعلان واجب رجال الدين في البحث في نصوصهم الدينية وتاريخهم وتراثهم ليجدوا أساسا وينبوعا للتسامح والتعايش. وأضاف إن كانت البروتستانتية تقول إن “التسامح هدية البروتستانتية للعالم”، فنحن نعتقد أن الديانات المنتمية للعائلة الإبراهيمية جميعها تحمل في نصوصها الكثير من الأسس التي تدعو إلى التعايش والتي لا تخطئها العين، وأن تعاليمها الأساسية حول السلام والتعايش وحول عالمية الكرامة الإنسانية، واحترام الاختلافات الدينية هي مضادات قوية للتطرف الديني العنيف”، مؤكدا أن الرجوع إلى النصوص والتأويل المناسب والمقارب هو الذي سيسمح لنا بالرد على مروجي الكراهية والإسلاموفوبيا وعلى الإرهابيين على حد سواء”، وضرب لذلك أمثلة من التوراة والإنجيل والقرآن الكريم. و دعا الشيخ ابن بيه المشاركين إلى وضع خطة استراتيجية لمواصلة رحلتهم في البحث عن السلام ولتوسيع دائرة القافلة “لتتحوَّل إلى حلف فضول جديد للوئام والسلام السعيد بين الأديان” يستلهم جوهر الدين الصحيح في الديانات الإبراهيمية؛ لتحقيق التعايش السعيد بين الشعوب، وعمارة الأرض بقيم الخير والجمال، ونبذ الغلو والتطرف، وتبريد القلوب والعقول، ومسح تداعيات “الإسلامفوبيا” و”معاداة السامية”، وكل أشكال التنابذ الديني والعرقي، مؤكدا “أن اليوم الذي ننبذ فيه حميعنا التصورات النمطية ومشاعر الكره لتجمعنا مشاعر الأخوة الإنسانية وحب الخير والصداقة، ذلك اليوم سيكون بحق يوما مشرقا في تاريخ الإنسانية”. وأضاف رئيس المنتدى أن الديانات المنتمية إلى العائلة الإبراهيمية عندما تتصالح وتتصافح، سوف يعزز ذلك روح السلام في العالم، ويسهِّل الولوج إلى طريق العدالة والخير ومعالجة المظالم والمظلوميات. وحرص الشيخ بن بيه على التأكيد على أن لقاء هذه الديانات المنتمية إلى العائلة الإبراهيمية لا يعني إقصاءً ولا تكتُّلا ضد الديانات والمذاهب الأخرى، وإنما يعني تعزيز المشتركات في دائرة العلاقات الإنسانية التي تتواصل فيها دائرة الإنساني مع دوائر الديانات والفلسفات الكونية التي تعلي من شأن الحياة وحقوق الإنسان. ومن جانبه رحب الدكتور محمد مطر الكعبي أمين عام “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات” في كلمته بالقافلة الأميركية للسلام على أرض الإمارات، أرض المحبة والسلام والتسامح. وقال: يعمل في الإمارات مقيمون ينتمون إلى نحو مئتي جنسية من مختلف الإثنيات والأعراق في العالم، ويسهمون في بناء النهضة الحديثة للدولة، ويتعايشون باحترام ووئام مع كل أطياف المجتمع الإماراتي وهذا هو النهج الذي أسّسه القائد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه على قيم الحب والتسامح والوسطية والاعتدال.ولهذا قد تكفّل الشيخ زايد بترميم كنيسة المهد في بيت لحم معتبرا أن المعابد ينبغي أن تحترم وتلقى الرعاية والاهتمام بغض النظر عن طبيعة قاصديها. وأضاف :على هذا النهج القويم يسير صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله.. وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي ، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وإخوانهم أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد. وتطرق الكعبي إلى بنية ثقافة التسامح الراسخة على كل المستويات في الإمارات منذ نشأتها. مشيراً إلى عمق التاريخ الإنساني والروحي لهذه البلاد، حيث تم اكتشاف كنيسة أثرية في جزيرة صير بني ياس؛ وتوجيهات القيادة الرشيدة بإعلاء هذه القيمة التاريخية والعناية بالآثار الدينية بشكل عام، مما يلقي مزيدا من الضوء على هوية هذا الشعب العربي الأصيل، شعب الإمارات. كما تحدث الكعبي عن أسبقية دولة الإمارات في إصدار قانون تجريم ازدراء الأديان و مكافحة الكراهية والتمييز ومكافحة الارهاب. وكذلك تحدث الدكتور الكعبي عن وزارة التسامح ودورها الكبير في هذا الزمن المتحرّك، والمنظومة الثقافية المنضوية في إطارها. ومن جانبه قال الدكتور عبدالله بوصوف أمين عام مجلس الجالية المغربية في الخارج، في كلمته التي ألقاها نيابة عن أحمد التوفيق وزير الأوقاف في المملكة المغربية أن المشاركة في فعالية أبوظبي في إطار تفعيل وثيقة “إعلان مراكش”، يزيد المرء استئناساً سواء باللقاء مع الآخر أو بتلاقح الأفكار، فهذا هو ما يجعلنا نرتقي بانسانيتنا قبل معرفتنا ببعضنا البعض.. مشدداً على أهمية تواصل الحوار مع الآخر، محذراً في الوقت عينه من الوقوع بازدواجية الخطاب. .اي أن نكون مع الآخر بخطاب مختلف، عمَّا يدور بدواخلنا أو في ما بيننا. ومن جانبه قال الحاخام روبي بروس لاستيك كبيرحاخامات الطائفة اليهودية في واشنطن، أن صوت الدين الصحيح كرر بأن أصل الإنسان واحد وأن الجميع أخوة بالإنسانية.. ما يعني أن الجميع مدعوون لأن يسلكوا دروب السلام. وهذا تلاحظه جميع الأديان الإبراهيمية. ومن جانبه قال القس بوب جين روبرتس كبير القساوسة في دالاس إنه لا بد لنا من الاتحاد لمواجهة التطرف والارهاب. معتبراً أن المشكلة أننا لسنا متحدين، إذ يتعين على الأديان الإبراهيمية أن تسعى وتجتهد لتحقيق هذا الاتحاد. فهذا هو الهدف المشترك، الذي يُفترض أن نعمل جميعاً لتحقيقه. ونوه روبرتس بجهود معالي الشيخ عبدالله بن بيه، سواء في وثيقة “إعلان مراكش”، أو في جهود منتدى تعزيز السلم .